شبكة الفرقان
1444/11/17
حاوره: عبد الجليل الموشكي
لم تكن مجازر العدوان السعودي بحق اليمنيين -منذ خمسة أعوام- وليدةً لحاضر الغطرسة والاستعلاء والوصاية، بل جاءت امتداداً لسلسلة من الجرائم البشعة والحقد الدفين، ولعل أولها يعود بالذاكرة إلى قبل قرنٍ من اليوم، حينما ارتكبت عصابات ابن سعود بدمٍ باردٍ أبشع مجزرة بحق ما يربو عن 3000 حاج يمني، في منطقة تنومة في عسير، لتتوالى بعدها المتغيرات مخفيةً ملامح المجزرة لقرابة مئة عام، ولكنها لم تُمحَ من ذاكرة اليمنيين فواقعهم المؤلم يذكرهم بها ويخلدها لأجيالهم، وها هم في مئوية المجزرة يتداعون غضباً لأجدادهم ويذودون عن بلدهم العدوان السعودي الأمريكي البريطاني منذ أكثر من ستة أعوام.
وتتضح الرؤية أكثر في حوار ضافٍ لنا مع الباحث التاريخي د. حمود الأهنومي مؤلف أول كتاب عن مجزرة الحجاج الكبرى في تنومة، وصاحب الجهد الأكبر في استقصاء وتوثيق هذه المجزرة بحق ضيوف الرحمن، إلى النص:
دكتور حمود مرحبًا بك، مع تنامي الوعي الشعبي بمجزرة تنومة في ذكراها المئوية الأولى، لماذا لم يتم تخليد المجزرة من قبل السلطات الرسمية طوال القرن الماضي رغم بشاعتها؟
في حقيقة الأمر تم توثيق المجزرة في حينها ومعلومات الكتاب هي مأخوذة من المصادر التاريخية التي كتبت عن الموضوع في حينه منها سيرة الإمام يحيى حميد الدين للقاضي عبد الكريم مطهر والمقتطف للجرافي وفرجة الهموم للقاضي عبد الواسع الواسعي، لكن ما بعد تلك الفترة تم تناسي المجزرة عن عمد بعد أن جاءت ثورة 26 سبتمبر 1962م كان بعض الثوار يتحدثون عن المجزرة حتى اخترقت السعودية الصف الجمهوري، ورأت أنهم يمكن التعامل معهم وأنهم ليسوا في يد عبد الناصر فقط، واستطاعت أن توجد لها مراكز قوة ونفوذ داخل صنعاء عندئذ فرضت السعودية إملاءات لتغييب هذه المجزرة، وأصبح من يحكمون في اليمن يدينون بالولاء لها ومؤطرين ضمن اللجنة الخاصة التي كانت تدفع لهم مرتبات من عند رئيس الجمهورية حتى أصغر قائد أو محافظ، ما جعلهم يحرصون على إرضاء آل سعود، وتم السكوت بالترغيب والترهيب، حيث كانت السعودية تعاقب كل من يتحدث عن مثل هذه القضايا، خصوصًا هذه القضية التي تمس عبدالعزيز آل سعود والنظام السعودي وتاريخه المظلم.
كيف خلّد اليمنيون ذكرى المجزرة؟
اليمنيون خلدوها بأشياء كثيرة جدًا بالخطب، بالامتعاض، بالألم، بالكتابة، كتب عنها المؤرخون المعاصرون، كتبوا عنها، بالشعر بنوعية الفصيح والشعبي والذي أثبتنا بعض قصائده في الكتاب، وذلك هو المتاح لهم، لم يكن لديهم طبعًا من الوسائل إلا البدائية، ليس الأمر كما هو الآن، لم تكن هناك نصب تذكارية لم يكن من ثقافتهم أن يوجد أشياء كثيرة جدًا وجدناها في زماننا هذا حتى نستطيع أن نخلد، أو التمثيليات أو الأمور الفنية والأدبية لكن كان المتاح لهم هو الشعر وبالفعل دخل الأدب الشعبي والأدب العربي وتكلم المؤرخون عن دوره البارز في توثيق المجزرة.
قرن من العدوان
رغم تواري السنين ومحاولات التغييب المستمرة، برأيك هل نسي الشعب اليمني المجزرة؟
الشعب اليمني بالفعل كان قد تم إنساؤه المجزرة تمامًا، فقد تعاقبت أربعة أجيال، حتى 26 مارس 2015م عندما بدأ العدوان على اليمن، وكنت وأنا أتنقل في المواصلات والناس يتساءلون عن سبب العدوان؛ أقول لهم ليس غريبًا بالنسبة لي هذا العدوان لأنهم ارتكبوا مجزرة بحق حجاجنا قبل أكثر من 90 عامًا، والجميع حينها لا يعرفون شيئًا عن هذه المجزرة عدا القليل من الأكاديميين والمثقفين والبيوتات التي توارثت الغصة ممن وقع عليها شهداء، ليس هناك كتاب واحد ذكر المجزرة في الجامعات اليمنية بل لم يكتب عنها حتى مقال، وبعد أن جاءت ثورة 21 سبتمبر 2014م وأوجدت المناخ الملائم للحديث عن كل الجرائم السعودية مثل تنومة واغتيال الحمدي والعدوان على اليمن، ما جعل مساحة الوعي تزيد شيئاً فشيئاً بحمد الله.
ما أهم المواقف التاريخية التي حدثت إثر المجزرة؟
بالنسبة للشعب اليمني كانت مواقفه غاضبه جدًا واستعد للقتال وملاحقة الخصم إلى عقر داره، وكان هناك امتعاض شعبي شديد، أما موقف الحكومة اليمنية حينها فكان موقفًا لا تحسد عليه، فبمجرد أن وقعت المجزرة قام أمير أبها السعودي ثم فيما بعد عبد العزيز بن سعود نفسه وهو سلطان نجد في حينها بإرسال رسالة اعتذار رقيقة تتودد للإمام يحيى بأن المجزرة ليست برضاهم، وأن من فعلها هم تشكيلة قتالية اشتبهت بهؤلاء الحجاج بأنهم جيش فقتلتهم، ما أدى إلى إغلاق باب الخيار العسكري، فما كان من الإمام يحيى إلّا أن حكّم ابن سعود حكمًا شرعيًا آملا فيه أن يصحو ضميره ويصدر حكمًا بحق المجرمين ويتم تعويض الحجاج، بيد أن ابن سعود ماطل، ومع ذلك كانت الحكومة اليمنية تطرح القضية في المفاوضات بين الدولتين وفي المؤتمرات العامة، وفي 1934 وقعت حرب بين السعودية واليمن أفضت إلى وقوع معاهدة الطائف، وتم تطبيع الأوضاع بين البلدين وبالتالي جعلت الاتفاقية كل المشاكل بين اليمن والسعودية في حكم المنتهية.
هل ما زالت وثيقة الاعتذار من ابن سعود للإمام يحيى موجودة؟
هي مجرد رسالة أشار إليها المؤرخون، منهم القاضي عبدالكريم مطهر رئيس ديوان الإمام يحيى في ذلك الحين وضمنها كتابه وذكر تفاصيل تعنت ابن سعود فيما بعد ومماطلته.
مجزرة سياسية بامتياز
ما دوافع ابن سعود لارتكاب المجزرة؟
بعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى حظيت اليمن بالاستقلال ودخل الإمام يحيى صنعاء 1918م واستلم من الأتراك المناطق التي سيطروا عليها، ومن ذلك الحين حتى وقوع المجزرة، كان الإمام يتحرك في بناء الدولة وانشغل ببعض التمردات والفساد حيث كان هناك قبائل تريد الانضمام للبريطانيين، والدوافع متعددة إلّا أن الدافع الحقيقي هو سياسي، فالإمام كان يطالب باستعادة عدن من البريطانيين ويطالب بعودة متصرفية عسير، في الوقت الذي كانت بريطانيا تعمل على تشكيل وضع جيوسياسي معين في شبه الجزيرة بتمكين ابن سعود ليصبح سيد الجزيرة، كعميل أمثل يلبي طموحاتها الاستعمارية بعد أن كان قد حدث وعد بلفور، فكانت مجزرة تنومة تعتبر اختبار قبول لابن سعود ليدخل ديوان العملاء البريطانيين، علاوة على هدفها بضرب رسالة الحج، كما أن بريطانيا أرادت توجيه صفعة لحكومة اليمن وهي الحكومة المستقلة الوحيدة التي لم تكن تتقاضى مرتبًا من بريطانيا كما تحكي الوثائق البريطانية في حينه، إضافة إلى دافع إبعاد اليمنيين عن أي دور تجاه الحرمين الشريفيين كونها كانت تحضر لتسليمهما لابن سعود، فضلاً عن إسكاتهم عن فلسطين وعدن، وهنا نجزم بأن المجزرة سياسية بامتياز.
بالنسبة للمنفذين وهم التكفيريون (جماعة الغطغط) التابعة لابن سعود ويمكن القول النسخة الأولى لداعش؛ كانت لهم دوافع عقائدية فقد تم تعبئتهم بأن كل العالم الإسلامي كفار حتى قبائل نجد والحجاز، وارتكبوا عدة مجازر بحقهم، وقيل لهم هؤلاء زيود كفار، وكما يروي الرئيس الأسبق عبد الرحمن الإرياني في كتابه أنهم حينما قتلوا الحجاج اليمنيين كانوا يقولون اقتلوا المشرك، بالإضافة إلى الدافع المادي حيث كان الحجاج يحملون معهم بضائع كبيرة جدًا قدرت بحوالي 400 ألف ريال ماريا تريزا _ريال فرنسي_ وهي ثروة هائلة أسالت لعاب التكفيريين آنذاك.
الحرمين الشريفين
لماذا يتعمد النظام السعودي تصوير اليمن واليمنيين كخطر تجاه الحرمين الشريفين ويبرر عدوانه أحيانا انه يأتي في سياق الدفاع عنهما؟
الأمر يتلخص في شقين الأول: أن هناك عقيدة سياسية داخل النظام السعودي والقائمين عليه بأن اليمن دائمًا يشكل مصدر خطر على نظام آل سعود وأنه لابد أن يكونوا تحت طائلة الاستهداف، وتحت هذه القاعدة تأتي الوصية الشهيرة لأبن سعود لأولاده: "خيركم في شر اليمن وشركم في خير اليمن" لهذا نشهد دائمًا مائة عام وأكثر من مائة عام عدوانًا مستمرًا على اليمن، سواءً في شكل ساخن وحرب أو في شكل بارد، العدوان لم ينقطع منذ تنومة إلى يومنا هذا، العدوان لم يبدأ في 26مارس2015م بل بدأ في 17ذو القعدة1341هـ -1923م.
ذاك شق أما الآخر: هو أن ابن سعود يريد استثارة الوعي الإسلامي ويصور أن اليمنيين يشكلون خطرًا على العالم الإسلامي وأنهم...، وأنهم...
لأنه بهذا يحاول أن يسوق نفسه وكأنه حامي الحرمين الشريفين، وبالعكس، تاريخياً: اليمن لم تشكل أي خطورة على الحجاز، بل كانت علاقات اليمن قبل بعثة رسول الله صلوات الله علية وعلى آله وبعد الإسلام بعد مجيء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كانت كلها علاقات طيبة، بل لم يشكل اليمنيون في يوم من الأيام خطراً على الحرمين الشريفين بل كانوا هم الحماة وهم المدافعون وهم أيضاً المتشوقون والمتلهفون للبيت الحرام، وتصور أن هؤلاء الشهداء في تنومة - الحجاج الذين قتلوا ثلاثة ألف ومئة وخمسة من الحجاج ولم ينج منهم إلا خمسمئة حاج - مئة وخمسون منهم واصلوا طريقهم إلى الحج رغم ما حصل بهم، لماذا؟! لأنهم يتشوقون إلى الحج ويتلهفون إلى بيت الله الحرام.
هل هناك من كان يقف وراء آل سعود أمر بارتكاب المجزرة؟
نعم، بريطانيا، بريطانيا هي التي أوعزت لابن سعود أن يرتكب هذه المجزرة لتحقيق الأهداف السياسية التي سبق ذكرها، هي التي تريد أن توجد العداء بين الشعب النجدي والشعب اليمني، وتوجد شروخًا اجتماعية، كما تريد أن تضمن أن ابن سعود سيبقى في يديها؛ ولهذا ورطته بارتكاب المجازر، لأنها تضمن بهذه الحالة أن لا يعود في يوم من الأيام إلى الصف العربي والصف الإسلامي لأنه قد أثخن الجروح وأوجد الآلام في محيطه العربي والإسلامي، كما فعلوا اليوم مع أحفاده عندما قالوا لابن سلمان بأنه سيكون ملك المملكة العربية السعودية لمدة خمسين عامًا قادمًا، ووضعوا له اختبار قبول وهو شن العدوان على اليمن مرة أخرى، وبالتالي القضية واضحة وبريطانيا كانت المستفيد الأول وكان كما يذكر "حاييم وايزمان" القائد الصهيوني في مذاكراته بأن "تشرشل" رئيس وزراء بريطانيا في حينه قال بأنني أريد أن أمكن ابن سعود لكي يكون سيداً على الجزيرة العربية بشرط أن يعترف بكيانكم الذي نريد أن ننشئه يعني بعد أن تم وعد بلفور، إذاً المسألة واضحة جداً.
أول مجزرة للعدوان
بحكم أن التاريخ لا يحدث مصادفة، فما علاقة مجزرة تنومة بواقع العدوان على اليمن اليوم؟
هي المجزرة الأولى في هذا العدوان المستمر إلى يومنا هذا، العلاقة واحدة، العدو الذي ارتكب مجزرة الحجاج في تنومه هو نفس العدو الذي يرتكب المجازر اليوم بحق أبناء وأحفاد حجاج تنومة، المخطط والعقل المدبر هي بريطانيا، اليوم تعود بريطانيا مرة أخرى هي وأمريكا و إسرائيل وفرنسا وغيرها من دول الاستعمار والغرب الكافر، إذاً لم يتغير الأمر والداعمون والمخططون هم نفسهم، هو الاستعمار، فهناك علاقة عضوية بين مجزرة تنومة وبين المجازر التي تحدث اليوم لا يستطيع أحد الفكاك منها، نعم، وهي حرب من ذلك اليوم إلى يومنا هذا وإن كان في بعض الأحيان بشكل ساخن من الحرب والقتال أو شكل بارد عدوان بارد الهيمنة الثقافية، الاختراق الثقافي الفكري، تجريف الهوية الإيمانية اليمنية، وهو عدوان من قبل النظام السعودي العميل المتولي لليهود والنصارى ضد هذا الشعب المؤمن.
هل نمتلك من الأدلة المادية والمعنوية ما يمكننا من مقاضاة آل سعود؟
لدينا أدلة: العدو أعترف بالمجزرة في حينه وإن كان حاول أن يوجد طرفًا آخر ويتنصل من المسؤولية ويقول بأن هؤلاء الحجاج خالفوا الأمر لأنهم قيل لهم لا تمضوا من هذه الطريق فمضوا فيها متحدين، أو أنهم ظنوهم مقاتلون في شكل حجاج أو أنهم...، حاول أن يوجد مبررات، لكنه اعترف بأن تشكيله قتالية من تشكيلات جيشه هي التي ارتكبت المجزرة، نحن نمتلك الاعترافات، أما الأدلة المادية لم تعد الآن موجودة فقد انتهى الأمر، مئة عام ربما بقي هناك بعض الرفات، لكن تصور حتى لا توجد لهم مقبرة تركوا هكذا في العراء تأكلهم السباع أو الطيور أو ثم فيما بعد تقريباً جاءت السيول وجرفتهم الى الوديان، ومن بقي منهم قيل بأن هناك بعض القبائل المجاورة هي التي حفرت لهم بعض القبور ونحو ذلك، إذاً هناك أدلة تاريخية الاعتراف من العدو السعودي، علاوةً على أن العالم كله شهد هذه المجزرة، هناك وثائق تاريخية متبادلة الصحف آل سعود حين تحدثت عن وقوع المجزرة وإن جاءت برواية أخرى غير الرواية اليمنية فهذه أدلة والجريمة جريمة إبادة جماعية وجريمة ضد الإنسانية وهما من الجرائم التي لا تسقط بتقادم العهد، وبالتالي بإمكان الضحايا الآن رفع الدعاوى القضائية أمام المحاكم الدولية والمحلية.
"فرق تسد"
ما علاقة المجزرة بمنع آل سعود للمسلمين من أداء مناسك الحج هذا العام؟
العلاقة في حقيقة الأمر أن بريطانيا كانت في ذلك الوقت الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وكانت تعمل على مبدأ فرق تسد من ناحية، ومن ناحية أخرى على إبطال وتدجين الأمه الإسلامية بشكل عام حتى لا تثور ثائرتها ضدها، وهي كانت محتلة لبلدان كثيرة في العالم الإسلامي، وكان لسان حالها كيف لنا أن نقيد هذا المارد الإسلامي ونستطيع أن ندجنه من خلال الفكر والثقافة فلا يتحرك في مواجهتنا، وكانت توجد حركة الاستشراق البريطانية في خدمة الاستعمار، وهم من يدرسون الشعوب، نقاط القوه، نقاط الضعف، يقدمون تقارير للحاكم وللزعيم السياسي، قالوا لزعمائهم إذا أردتم الاستيلاء على الأمة الإسلامية ولا تكون هناك ثورات ضدكم فاعملوا على مبدأ (فرّق تسد) اعملوا على تدجين المسلمين من خلال ضرب رسالة الحج والاستحواذ الحرمين الشريفين وبالمسجد الأقصى، بهذه الأماكن الروحية التي تشكل وعي الأمة الإسلامية، اضربوا هذه الأماكن المقدسة، ولا داعٍ للاحتلال المباشر، هكذا رأى المستشرقون، بمعنى لا يمكن أن يأتي بريطاني يخطب في المسجد الحرام ويقول للناس تفرقوا، ما جعلهم يأتون بعميل هناك يستولي على الحرمين الشريفين وبدلاً من أن يأتي خطيب يجمع الأمة أنتم أيها المسلمون في الحج أمة واحدة أسودكم وأحمركم وأصفركم وأبيضكم ومن كل لون ومن كل جنس أنتم أمة واحدة بدلاً من أن يقول مثل هذا الكلام لا، يأتي خطيب وهابي ليقول أنتم مشركون وهؤلاء مبتدعون أولئك ضُلّال وأولئك كذا، ومن ثم تحدث الفرقة والاختلاف، وهنا حققت بريطانيا ما تريده بالاستيلاء على الحرمين الشريفين وضرب رسالة الحج التي توحي للأمة أنها أمة واحدة لها رسالة واحدة وهدف واحد وقبلة واحدة ومصير واحد وطواف واحد وسعي واحد، ولهذا يتم استهداف الحجاج منذ ذلك الحين وإلى يومنا هذا بالإهمال بالتواطؤ بالقتل بالمنع بالتسييس بالأمركة بالسعودة للحج بمختلف الوسائل، وليس غريبا أن تبدأ قبل مئة عام بقتل الحجاج في تنومه وتنتهي هذا العام بمنع الحج عن كل المسلمين لأنه يأتي في إطار خطة ممنهجة من قبل الاستعمار وعملائه آل سعود وغيرهم لضرب رسالة الحج.
لا جهود رسمية
هل هناك جهود تبذل من الجانب الرسمي لتوثيق المجزرة والتعاطي معها على مستوى كل أبعادها القانونية والسياسية؟
آمل أن يبدأ الجانب الرسمي بالتحرك لاسيما وقد جاء الزخم الإعلامي للتثقيف في هذا العام في الذكرى المئوية الأولى بعد أن تم تبني إحيائها كمناسبة مهمة جداً توقظ الوعي لدى أمتنا، والحقيقة حتى الآن لا علم لدي فلا أحد من الجهات الرسمية يعمل على هذا ولكن نأمل أن يتحركوا في هذا الجانب ونتعاون جميعًا في توثيق الضحايا، الحادثة موجودة ومشهورة، يجب تحديد أسماء الضحايا، فبعد جهد كبير جداً - جهد شخصي- استطعت الحصول على 117 شهيدًا فقط من ثلاثة آلاف حاج، والآن أتلقى المزيد من الاتصالات الجديدة من ذوي الضحايا عندما علموا، يتصلون بي ويقولون لدينا أيضًا شهيد وهكذا، لو تحركت الجهات الرسمية لتوثيق أسماء الشهداء وإعداد قائمة بالضحايا لكان الأمر أفضل بكثير مما هو عليه، وبالتأكيد أنه في حينه كان هناك قائمة موجودة، ولكن أنت تعلم بعد قيام ثورة 26 سبتمبر للأسف الشديد بعض الثوار كان يفكر أنه لابد من القضاء على كل شي يتصل ببيت حميد الدين ضمن تاريخ اليمن وهذا من الخطأ الكبير الذي وقعوا فيه ولهذا دمروا الأرشيف الذي كان موجودا في حكومة الإمام يحي والإمام أحمد والنظام الملكي السابق، دمروا كل شي وأحرقوه، ولذلك لا توجد وثيقة رسمية بالمركز الوطني للوثائق تدل على هذا الأمر.
نلاحظ جميعًا الإهمال واللا مبالاة بالحجاج، ما يؤدي إلى وفاة الكثير منهم في أكثر من موسم، لماذا يتم إهمالهم؟
لكي يتم تعطيل وإعاقة الحج وعرقلته وإفراغه من محتواه وجعله موسما معينا لطقوس بسيطة وشكلية جداً لا تشكل الحالة الإسلامية التي فُرض الحج من أجلها وهذا ما يعملون عليه هم وأسيادهم المستعمرون الأمريكيون البريطانيون والصهاينة يعملون على إفراغ الحج وتعطيله ومنعه، وصولا إلى الحالة التي وصلنا إليها وهو منع الحج تماماً.
أمة واحدة
ماذا يعني الحج بالنسبة للأمة فيما يتعلق بقيامها بمسؤولياتها؟
الحج له رسالة مهمة جداً يؤديها مُفادُها أن كونوا أمة واحدة ولا تختلفوا ولا تتفرقوا، لاحظوا أنكم تطوفون في مكان واحد وتسعون في مكان واحد وتؤدون حركات معينة وترمون عدوا واحدا، تتبرؤون من المشركين ومن أعدائكم يجب أن يكون هناك البراء والولاء البراء من أعداء الله والولاء لأولياء الله، وبالتالي تؤدي رسالة الحج دورها العظيم في تشكيل الوعي الإسلامي الواحد للأمة الواحدة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في حين يريد المستعمرون إفراغها من المعاني العظيمة ولهذا يعملون عبر عملائهم وأذنابهم على ضرب رسالة الحج بين الحين والآخر.
لماذا كل هذه الحرب من قبل اليهود والنصارى وأمريكا و"إسرائيل" على الحج؟ هل من خطورة عليهم فيه؟
أعظم خطورة عليهم هي الحج، الحج يمثل خطرا على المستعمرين المستكبرين في هذه الأرض، على من يحرص على إبقاء الأمة الإسلامية ضعيفة مهانة مستعبدة مستذلة وهم بالتأكيد دول الاستكبار في هذا العالم؛ ولهذا الشهيد القائد السيد حسين بدرالدين الحوثي رضوان الله عليه تطرق في مواضع عديدة عن الحج أن الحج مستهدف ويقول في كلام هام مهم جداً في ملزمة مديح القران الدرس السابع أن الحج في علاقة إلهامه بما يتعلق بهذه الأمة بعلاقته ببنائها بعلاقته بأن تكون أمة قادرة على مواجهة عدوها هو مستهدف من جانب العدو، قال هذا قبل 19 عاما في عام 2002 تقريبا ميلادية وهو ما يحدث فعلاً فقد وصلنا هذا العام إلى ما تكلم عنه في ذلك الحين.
استغلال سياسي
برأيك كيف استغل آل سعود الحج سياسيًا واقتصاديًا؟
كان آل سعود فيما مضى يسيسون الحج ويجعلونه موردا اقتصاديا _قبل ظهور النفط_ ولهذا كانوا يفرضون إتاوات على الحجاج، يستفيدون اقتصاديا منها وهي سياحة من أكبر السياحات العالمية، بالملايين يقومون بالحج، لكن بعد ظهور النفط لم يعد الحج ذا بعد اقتصادي كبير لآل سعود، فقد أصبحوا يعرقلون الحج ويمنعون كثيرًا من الحجاج، ويأتون بألف من كل مليون، بمعنى أنه كثير من الناس لا يستطيعون أن يحجوا وكم من الناس يموتون ولا يستطيعون أن يحجوا بسبب منع آل سعود ليس بسبب عدم قدرتهم هم، الله تعالى قال لمن استطاع إليه سبيلا وكثيرون من أبناء الأمة الإسلامية يستطيعون السبيل والسبيل هي الزاد و الراحلة لكن آل سعود يمنعونهم بحجة أن القرعة لم تصل إليهم فهم يستهدفون الحج بتسييسه فأي شخص يعادي آل سعود أو يعادي حتى أمريكا أو يعادي إسرائيل أو له موقف بشكل واضح جدا له كتابات فهم يمنعونه من الحج، وإذا حدث وذهب للحج يعتقلونه يعملون على تصفيته فهم يسيسون الحج وأي نظام يختلف مع آل سعود يقومون بمنع شعبه بكله، ومنع الحجاج اليمنيين في هذه السنوات يأتي في هذا الإطار ومنع حجاج سوريا من عام 2011م حتى يومنا هذا، يأتي في هذا الإطار منع حجاج ليبيا عندما كانت ليبيا تختلف مع أمريكا بسبب قضية لوكربي، وفي 1999م - 2003م عند الغزو الأمريكي للعراق تم منع حجاج العراق، ومن قبل حتى في السنين الماضية تم منع الحجاج المصريين في أيام الملك فاروق أيام، ومنع الحجاج الأتراك، إذاً أي نظام يختلف معهم يمنعوه وشعبه من الحج هناك عملية تسيس الحج، ثم تطور الأمر ثم ما بعد إلى سعودة الحج بمعنى أنه لا يحج إلا إذا كان سعودياً، ثم بعد ذلك وصلنا إلى أمركة الحج أي يكون لمن يدينون بالولاء لأمريكا للذين لا موقف لهم من أمريكا و "إسرائيل"، أما من لهم موقف من أمريكا و "إسرائيل" فهم لا يستطيعون فالحج صعباً، علاوة على رفع تكاليف الحج بغية الصد عن بيت الله الحرام.
ولاية المتقين
مع كل هذا الاستغلال والصد عن البيت الحرام من قبل آل سعود، برأيك ما الحل الذي يمكن أن تقوم به الأمة الإسلامية؟
لن تؤدي الأماكن المقدسة وظيفتها الإلهية التي هيئها الله لها إلا إذا كانت تحت ولاية المتقين قال الله عز وجل في كتابه الكريم: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ ۚ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} الأنفال (34) الله عز وجل حدد لنا بشكل واضح أن من يتولى إدارة الحرمين الشريفين يجب أن يكون متقيًا، هل آل سعود متقون هل تحصل فيهم صفة من المتقين؟ هم أبعد ما يمكن عن التقوى تسقط ولايتهم الواقعية أما ولايتهم الشرعية هم بعيدون عنها ليس لهم ولاية شرعية ولا واقعية، ويجب أن تعمل الأمة على تحرير المقدسات الإسلامية وتسليمها للمتقين، المتقون الله عز وجل يوليهم الأماكن المقدسة، ومن ثم يؤدي الحج رسالته التي أرادها الله سبحانه وتعالى، وأنت ترى أن الأمة لن يكون لها شأن ذو بال إلا عندما يكون المسجد الحرام والمسجد الأقصى تحت ولاية المتقين وكذلك المسجد الأقصى لأن هناك علاقة واضحة والله ربط بين المسجدين (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) إذا كان المسجد الأقصى محتلًا من قبل اليهود والمسجد الحرام محتلًا من قبل عملاء اليهود فهذا يعني أن الامة وضعها سيء، وأن عليها أن تسعى لتحرير هذين المكانين المقدسين المسجد الحرام والمسجد الأقصى من ولاية أمريكا وعملائها وأن تكون تحت ولاية المتقين الأولياء المتقين يعني أن تكون تحت إدارة إسلامية مشتركة لكن بيد أولياء الله المتقين لا بيد الأنظمة العميلة.
على ذكر أولياء الله المتقين، ما سر اختيارك لموضوع رسالتك للدكتوراة في شخصية الإمام الهادي عليه السلام؟
الإمام الهادي يحيى بن الحسين _عليه السلام_ رجل عظيم له دين على رقابنا كيمنيين لأن له دورًا عظيمًا؛ دور حضاري وتاريخي وثقافي وفكري حافظ على الهوية الإيمانية، هو الذي جدد الهوية الإيمانية، هو لم يكن إنساناً عادياً، هو رجل ثائر أقام الدولة العادلة، نحن بحاجة إلى مثل هذه النماذج العظيمة في تاريخنا، حتى لا يقول قائلنا اليوم أننا لا نستطيع أن نوجد الحكم الإسلامي النموذجي، نقول له لا هناك بشر عاديون مثلنا اصطفاهم الله واستطاعوا إيجاد الدولة التي تحكم بشرع الله والإمام الهادي نموذج حكم بالعدل ورضي عن حكمه العلماء والمفكرون والمثقفون،
وكان هناك حالة من التشويه المتعمد للإمام الهادي وأئمة أهل البيت الذين حكموا اليمن، حتى أن المناهج الدراسية لم تتطرق إلى أعلام الهدى، وإن تطرقت إليهم فبطريقة من التشويه والتنقيص، وبالتالي جاء الاختيار لشخصية الإمام الهادي لتكون موضوع أطروحتي للدكتوراة.
26 مارس عودة الذاكرة
متى تبادرت إلى ذهنك _لأول مرة_ فكرة توثيق مجزرة تنومة؟
ليلة 26 مارس بداية العدوان قررت وعزمت تأليف كتاب في موضوع مجزرة تنومة وأيقنت أن إخراج كتاب يعتبر ديناً على رقاب كل من يستطيع أن يقوم به، ورغم سوء الأوضاع بسبب العدوان جمعت المعلومات بحمد الله وكانت الكهرباء منعدمة وكنا في حالة بائسة وقتها حيث كانت المكتبات مغلقة وكان اهتمامي يضعف عندما اصطدم ببعض المعوقات ثم سرعان ما تعود لي الهمة بسبب ضغط العدوان، حتى أن ابني الحسين _ خمس سنوات_ كان عندما يسمع القصف يبكي ويجري نحوي ولا يأمن ويتوقف عن البكاء إلا بحضني وكنت في حينها أكتب المعلومات التاريخية؛ فكنت أشعر أن هذا العدو الذي يقتلنا اليوم هو نفس العدو الذي قتل أجدادنا، وهو ما أكد عزمي على الاستمرار في إعداد الكتاب.
ما العوائق التي واجهتك في الحصول على المعلومات والوثائق؟
شحة المعلومات فهي معلومات قليلة ومتناثرة ولا توجد مكتبات بشكل جيد وعدم وجود وثائق ولك أن تتصور أن أرشيف الدولة الذي يجب أن يتوفر فيه كل شيء لا توجد فيه وثيقة واحدة عن هذه المجزرة، أيضا في بداية العدوان لم يكن هناك كهرباء فكنت أشحن الكمبيوتر عند الجيران أو في المحطة لكي أستطيع العمل عليه ساعة أو ساعتين، علاوة على صعوبة الحصول على أسماء الشهداء فكتب التاريخ لم تذكر سوى القليل منهم مثل أمير الحج الذي نجى وهو العلامة محمد بن عبد الله شرف الدين ويحيى بن أحمد بن قاسم حميد الدين والقاضي أحمد بن أحمد السياغي، والآن بفضل الله قد وصلت إلى 117 شخص.
المئوية حاضرة
مع زخم الاهتمام بالمجزرة هذا العام، هل تم توثيق المجزرة بالشكل المطلوب؟
في هذا العام نستطيع أن نقول أن هناك اهتمام جيد وهناك لجنة لإحياء المناسبة شُكلت بتوجيهات السيد القائد رضوان الله عليه وسمعنا في تصريح الناطق الرسمي للقوات المسلحة ورئيس الوفد الوطني وهناك لافتات في الشوارع تتحدث عن المجزرة وهناك زخم إعلامي وهناك هاشتاقات مستمرة على التواصل الاجتماعي والقنوات وندوات وخطب جمعة وربما ستأتي مجسمات تخلد الذاكرة الوطنية لهذه المجزرة، ونحن نطالب القوات المسلحة بتنفيذ عمليات ردعية استراتيجية كبرى يطلق عليها اسم شهداء تنومة، كما يمكن أن يكون 17 من ذي القعدة يوم تنكس فيه الأعلام ويمكن إطلاق اسم شهداء تنومة على بعض الشوارع في العاصمة كما يمكن تشكيل جمعية قانونية تمثل أهالي الضحايا وترفع الدعاوى القضائية أمام المحاكم الدولية.
ما الجديد في النسخة الثالثة من الكتاب؟
في الطبعة الثالثة حصلنا على 63 اسماً من أسماء الشهداء و15 اسما من الناجين إضافة إلى ما تم ذكره في الطبعات السابقة وأضيفت قصيدتين قيلت في وقتها من الشعراء المعاصرين للمجزرة ووثيقة تاريخية بخط الإمام يحيى وجدناها عند بعض الأهالي من أحفاد الضحايا _وهي مهمة جدا_ وضمناها في الكتاب بالإضافة إلى بعض التنقيحات والتصويبات اللغوية والإملائية والاصطلاحية.
كناشط بارز في هذه المرحلة الحساسة، بم تنصح الإعلاميين والناشطين في التعاطي مع مختلف القضايا الراهنة؟
أنصح نفسي والإعلاميين والناشطين وكل أبناء شعبنا أن يكون لدينا توجه عام منضبط وملتزم إعلاميًا ومهنيًا بما يخدم قضيتنا الأولى وهي الدفاع عن شعبنا وبناء أمتنا بناءً صحيحًا في كل المجالات، كما ينبغي علينا أن نكون من أصحاب البناء لا من أصحاب الهدم، وأن نعمل على تطوير قدراتنا وإذكاء وعينا بالطريقة التي تستنهض مقوماتنا المختلفة في كل المجالات، لا أن نذهب لنناقش قضايا هامشية أو أن ننجر إلى مفردات يطرحها العدو ويجرنا للحديث عنها على حساب القضايا الكبرى.
تم اجراء الحوار في: 15 يوليو 2020
1445/03/09
1445/03/08
1445/03/08
1445/03/07
1445/03/06
1445/03/06
1445/03/06
1445/03/05
1445/03/03
1445/03/02
1445/03/01
1445/03/01