الخميس ، 16 جمادى الأول ، 1445

الخميس ، 16 جمادى الأول ، 1445

قراءة في قصيدة البردوني (بشرى النبوة) 

شعر ونقد

وهذا شاعر من اليمن فقد نور عينيه لكنه ظل يبصر بعيون الشعر ليرسم لوحات فريدة تميز بها عن غيره ومن تلك اللوحات البديعة قصيدته الخالدة

 

(بشرى النبوة) 

 

والتي أنشد فيها حبا لرسول الله محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله  مازجا فيها ألوان الفرح والابتهاج بألوان الجهاد المقدس لتطهير الأوطان من رجس الغزاة الطامعين رابطا ببن قداسة الرسول الأعظم صلوات الله عليه وعلى آله وجهاده وبين ملحمة الصمود الأسطوري لجنوب اليمن في وجه الإنجليز بوم كانت بريطانبا هي المملكة التي لا تغيب عنها الشمس لكن شمس المحبة والولاء للرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم استطاعت أن تطفئ شمس بريطانيا العظمى كما أطفأ نور الله بميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم نار المجوس التي لم يكن من المعقول خمودها وانطفاؤها.

وقد استهل الشاعر الكبير قصيدته بتاج البهجة في صورة شعرية آسرة حيث جعل من "بشرى النبوة" 

طائرا نورانيا يلقي في "فم الغار"  

 

عبارات الفرح الكبير بقدوم خلاص الكون من كل الشرور والأعباء التي أثقلت كاهل الحياة.. طائر عظيم يطوف الأرجاء حاملا طيب الشذى ليعلن عن ميلاد النور الإلهي العظيم

(بشرى من الغيب ألقت في فم الغار

وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار

بشرى النبوة طافت كالشذى سحراً

وأعلنت في الربى ميلاد أنوار)

 

وكأنما الصمت هو البحر الذي شقته عصا موسى بأمر الله، حيث تجدد الإعجاز وحملت الأنسام على أجنحة المحبة شعور الطمأنينة لتحل بين الديار بعد وحشة طال أوانها

(وشقت الصمت والأنسام تحملها

تحت السكينة من دارٍ إلى دار)

 

وها هي أنامل البشارة العظمى تهدهد "أم القرى" كما تهدهد الإم طفلها ليأمن ويغفو، وتلك البنان الرؤوفة هي ذاتها من هزت مهد الفجر ليصحو النور ويشرق في جنبات كون طال ليل ضياعه وعمت أرجاءه عتمة الطاغوت

(وهدهدت “مكة” الوسنى أناملها

وهزت الفجر إيذاناً بإسفار)

 

و"أقبل الفجر" من خلف تلال الجاهلية الظلماء "وفي عينيه" أسرار العشق الإنساني الدائم للنور والأمان والعدل

(فأقبل الفجر من خلف التلال وفي

عينيه أسرار عشاقٍ وسمار)

 

وفي صورة شعرية باهرة يفيض النور كموج يعتلي الروابي ويجري جدول الماء ليغمر سفح الأرض وأعماق النفوس

(كأن فيض السنا.. في كل رابيةٍ

موجٌ وفي كل سفحٍ جدولٌ جاري)

 

"تدافع الفجر" يزف إلى الدنيا بشارة الفجر الجديد لأجيال وأدهار محا عنها نور محمد صلوات الله عليه وعلى آله ما كان من وطأة القسوة والطغيان

(تدافع الفجر في الدنيا يزف إلى

تاريخها فجر أجيالٍ وأدهار)

 

ويستأنف الشاعر حديثه معرجا على فتح عظيم لبس حلة الانشراح في حضرة طفل ولد ليكون بإذن الله نصيرا للمستضعفين وإماما للثائرين يستبشر به كل مظلوم ويخشى سطوته كل طاغية

(واستقبل الفتح طفلاً في تبسمه

آيات بشرى وإيماءات إنذار)

 

ويشب الطفل العظيم مكتسيا ثوب الحق متشحا بالنور لمن يرتجون الهداية والنار لكل العصاة الظالمين

(وشب طفل الهدى المنشود متزراً

بالحق متشحاً بالنور والنار)

 

يحمل شعلة الوحي لهداية الناس ترتسم على فمه ابتسامة البشارة وفي عينيه يتوقد الإصرار على تغيير واقع الناس نحو الأفضل

(في كفه شعلةٌ تهدي وفي فمه

بشرى وفي عينه إصرار أقدار)

 

على قسماته وعد بالحرية والكرامة وفي دمه تسري بطولة لا في وجه المساكين بل في مواجهة كل جبار عنيد

(وفي ملامحه وعدٌ وفي دمه

بطولة تتحدى كل جبار)

 

ويتجلى الإبداع والفرادة في تصوير النور بنهر يفيض ليجرف الطغاة فهم في غم كبير خوفا ورهبة منه واللص دائما يعشق العتمة ويخشى حد الفزع سطوع الضوء

(وفاض بالنور فاغتم الطغاة به

واللص يخشى سطوع الكوكب الساري)

 

وما بين الوعي والظالمين عداء سرمدي كما هو بين الضياء واللصوص فكلاهما يشعر الآخر بالخزي والضعة والهوان

(والوعي كالنور يخزي الظالمين كما

يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار)

 

وكالعادة يتمادى المجرمون في معاداة ومحاربة كل من يسعى لإنقاذ الناس وإنصافهم

(نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت

كتائب الجور تنضي كل بتار)

 

فكأنما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين نار تلاحقه وإعصار يهاجمه

(كأنها خلفه نارٌ مجنحةٌ

تعدو وقدامه أفواج إعصار)

 

كل ذلك لم يحل بينه صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين الجهر بالحق ومواجهة الباطل والتضحية في سبيل الله ودحض الباطل وقمع الظلم والظالمين فقابل الهجوم بالهجوم والأخطار بالإقدام

(فضج بالحق والدنيا بما رحبت

تهوي عليه بأشداقٍ وأظفار

وسار والدرب أحقادٌ مسلحةٌ

كأن في كل شبرٍ ضيغماً ضاري

وهب في دربه المرسوم مندفعاً

كالدهر يقذف أخطاراً بأخطار)

 

وسنة الله سبحانه وتعالى تقضي بانهيار الباطل إذا ما وجد الحق من يحمله ويدافع عنه بثبات ويقين

(فأدبر الظلم يلقى ها هنا أجلاً

وها هنا يتلقى كف… حفار)

والظلم مهما احتمت بالبطش عصبته

فلم تطق وقفةً في وجه تيار)

 

لم يأل الرجل العظيم الذي كان رغم يتمه كما وصفه عمه أبو طالب:

(ربيع اليتامى) 

جهدا في رعاية الأيتام حتى صار كل يتيم يرى فيه الأب الحاني والملاذ الآمن

وقد أدرك صلوات الله عليه وعلى آله صعوبة المهمة لكنه بالتوكل على الله شق طريقه نحو غايته العظيمة حتى عمت ملة الإسلام العظيم كل الأرجاء ترفرف على جبينها الشريف راية النصر الكبير

(رأى اليتيم أبو الأيتام غايته

قصوى فشق إليها كل مضمار

وامتدت الملة السمحا يرف على

جبينها تاج إعظامٍ وإكبار)

 

وفي تصحيح للكثير من الافتراء والكذب يؤكد شاعرنا الكبير على سمو الغاية وطهر الوسيلة فالجهاد كان رحمة للعالمين ولم يكن بغيا وقهرا وسعيا وراء المكاسب كما فعل من انحرفوا عن المسار وقتلوا وسرقوا ونهبوا واغتصبوا باسم الإسلام وهو منهم براء

(مضى إلى الفتح لا بغياً ولا طمعاً

لكن حناناً وتطهيراً لأوزار

فأنزل الجور قبراً وابتنى زمناً

عدلاً… تدبره أفكار أحرار)

 

وهنا يستنجد ابن قرية بردون الكفيف برسول الله صلى الله عليه وعلى آله شاكيا وضعا مزريا لا سبيل إلى الخلاص منه إلا بالعودة الصادقة والجادة إلى الله ورسوله حيث ساد الإنجليز على جنوب الوطن الغالي وفعلوا كل الموبقات وتجاوزوا كل الحدود ومطيتهم - كما هو حال الجنوب اليوم- المرتزقة الرخاص الذين تحولوا إلى سماسرة وقوادين يبيعون أرضهم وأعراضهم مقابل الفتات الرخيص الزهيد

(يا قاتل الظلم صالت هاهنا وهنا

فظائعٌ أين منها زندك الواري

أرض الجنوب دياري وهي مهد أبي

تئن ما بين سفاحٍ وسمسار

يشدها قيد سجانِ وينهشها

سوطٌ… ويحدو خطاها صوت خمار

تعطي القياد وزيراً وهو متجرٌ

بجوعها فهو فيها البايع الشاري

فكيف لانت لجلاد الحمى “عدنٌ”

وكيف ساس حماها غدر فجار؟

وقادها زعماءٌ لا يبررهم

فعلٌ وأقوالهم أقوال أبرار

أشباه ناسٍ وخيرات البلاد لهم

– يا للرجال – وشعبٌ جائع عاري

أشباه ناسٍ دنانير البلاد لهم

ووزنهم لا يساوي ربع دينار

ولا يصونون عند الغدر أنفسهم

فهل يصونون عهد الصحب والجار

ترى شخوصهم رسميةً وترى

أطماعهم في الحمى أطماع تجار)

 

ويستطرد الشاعر في الحديث عن العملاء المرتزقة والسخرية والتهكم مؤكدا رخصهم وإفلاسهم

(أكاد أسخر منهم ثم يضحكني

دعواهم أنهم أصحاب أفكار

يبنون بالظلم دوراً كي نمجدهم

ومجدهم رجس أخشابٍ وأحجار

لا تخبر الشعب عنهم إن أعينه

ترى فظائعهم من خلف أستار

الآكلون جراح الشعب تخبرنا

ثيابهم أنهم آلات أشرار

ثيابهم رشوةٌ تنبي مظاهرها

بأنها دمع أكباد وأبصار

يشرون بالذل ألقاباً تسترهم

لكنهم يسترون العار بالعار

تحسهم في يد المستعمرين كما

تحس مسبحةً في كف سحار)

 

وينذر الشاعر البصير كل الأعداء في الداخل والخارج متوعدا لهم بالهزيمة والصغار 

(ويلٌ وويلٌ لأعداء البلاد إذا

ضج السكون وهبت غضبة الثار!

فليغنم الجور إقبال الزمان له

فإن إقباله إنذار إدبار)

 

ويذكي الشاعر المحترف أوار الحكمة مقارنا بين أهل الخير وأذناب الشر وشرهم وأحطهم منافق متخم بالشر يرتدي لباس الناصح الأمين ويلقي باللوم على شعب يحتمي بلص تلخص سيرته عبارة "حاميها حراميها"

(والناس شرٌ وأخيارٌ وشرهم

منافق يتزيا زي أخيار

وأضيع الناس شعبٌ بات يحرسه

لص تستره أثواب أحبار

في ثغره لغة الحاني بأمته

وفي يديه لها سكين جزار!)

 

ويتوج الشاعر الكبير قصيدته بحقيقة مسلّم بها مفادها أن نار الشعب لا بد أن تحرق كل الطامعين والتافهين المتآمرين

(حقد الشعوب براكينٌ مسممةٌ

وقودها كل خوان وغدار

من كل محتقر للشعب صورته

رسم الخيانات أو تمثال أقذار

وجثةٌ شوش التعطير جيفتها

كأنها ميتةٌ في ثوب عطار)

 

وفي لفتة لا يملكها إلا شاعر متمكن يربط الشاعر بين ضرورة توحيد الصف لطرد الإنجليز من جنوب اليمن وبين يوم ذي قار الذي اجتمع فيه العرب لنصرة القيم الأصيلة وواجهوا جيش كسرى وهزموه على أرض ذي قار العراقية في ملحمة خلدها التاريخ وهي مصدر فخر واعتزاز لكل عربي حر أصيل - ويا للعجب كيف خلت مناهجنا من معركة ذي قار وامتلأت صفحاتها بتمجيد المحتل المملوكي والأيوبي والتركي والمصري الناصري وغيرهم وخلت من بطولات أجدادنا العرب الكرام-

(بين الجنوب وبين العابثين به

يومٌ يحن إليه يوم “ذي قار”)

 

ثم يعود شاعرنا الكبير والعود أحمد لينشد في حضرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم مجددا عزف ألحان البهجة والاعتزاز بمولده الشريف الذي أشرق فجرا وأنهار محبة حاملا أعظم المبادئ المنبثقة عن الوحي الشريف حيث تحرك صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحركة القرآن الكريم لا أقل ولا أكثر ملبيا ومضحيا حيث ارتقى في سبيل مبادئه العظيمة خير ارجال وسادة القيم الراقية 

(يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت 

ذكراه كالفجر في أحضان أنهار

يا صاحب المبدأ الأعلى، وهل حملت

رسالة الحق إلا روح مختار؟

أعلى المبادىء ما صاغت لحاملها

من الهدى والضحايا نصب تذكار)

 

ويستنكر الشاعر إغفال الحديث عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعظماء الذين جادوا بأرواحهم في سبيل الله ورفع الظلم عن البؤساء وتم تمجيد الذئاب البشرية الذين يتظاهرون بالمحبة والرحمة وهم يأكلون البشر ويحتسون دماءهم 

(فكيف نذكر أشخاصاً مبادئهم

مبادئ الذئب في إقدامه الضاري؟!

يبدون للشعب أحباباً وبينهم

والشعب ما بين طبع الهر والفار)

 

 

ويردد الشاعر المفعم بالمحبة لحنه الشجي بنغمة حزن دفين يمزج بين مناجاته لخير الخلق صلى الله عليه وعلى آله وسلم وبين حقده الطاغي وثورته العارمة على الظلم والظالمبن 

(ما لي أغنيك يا “طه” وفي نغمي

دمعٌ وفي خاطري أحقاد ثوار؟

تململت كبرياء الجرح فانتفزت

حقدي على الجور من أغوار أغواري)

 

مقدما اعتذاره إلى حضرة النور المفدى صلوات الله عليه وعلى آله يختم الشاعر معرجا على العلاقة الأبدية بين اليمنيين وحضرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ضاربا المثل بخير من سار في ركاب النبي محمد صلوات الله عليه وعلى آله ومن بعده في ركاب أمير المؤمنين "علي" عليه السلام وهو مفخرة كل اليمنيين "عمار بن ياسر" رضي الله عنه وأرضاه".

وشاعر الرسول الأنصاري حسان بن ثابت مؤكدا أننا على درب الولاء والفداء ماضون تماما كما كان أجدادنا الأنصار

(يا “أحمد النور” عفواً إن ثأرت ففي

صدري جحيمٌ تشظت بين أشعاري

“طه” إذا ثار إنشادي فإن أبي

“حسان” أخباره في الشعر أخباري

أنا ابن أنصارك الغر الألى قذفوا

جيش الطغاة بجيشٍ منك جرار

تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم

كأنهن قلاعٌ خلف أسوار

نحن اليمانين يا “طه” تطير بنا

إلى روابي العلا أرواح أنصار

إذا تذكرت “عماراً” ومبدأه

فافخر بنا: إننا أحفاد “عمار”)

 

ويرفع الشاعر صلاته الشعرية بين يدي خاتم النبيين وإمام المرسلين "محمد" صلى الله عليه وعلى آله وسلم" مصحوبة بالعزف على قيثارة الحب والفرح المتجدد بميلاد هو أعظم وأجمل وأقدس أعيادنا ومناسباتنا

("طه” إليك صلاة الشعر ترفعها

روحي وتعزفها أوتار قيثار)

 

هكذا أبدع ابن قرية بردون من محافظة ذمار اليمنية في رسم بانوراما جمعت بين الاحتفاء بميلاد الرسول الأعظم صلى الله عليه وعلى آله وبين حزنه القاتل على حال جنوب يرزح تحت وطأة الاحتلال مقارنا بين تمجيد التافهين وإهمال الحديث عن العظماء مؤكدا على أن عودتنا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وارتباطنا به هو طريق الخلاص تماما كما كان في زمن أجدادنا الأنصار معرجا على علاقة اليمنيين دائما وأبدا بحضرته الشريفة موضحا أن من يرتضون لأنفسهم أن يكونوا أحذية للغازين لن يكون مصيرهم إلا في سلة مهملات التاريخ والحضارة والإنسانية عازفا لحنا شجيا يمزج فيه بين المحبة والاحتفال والشجن المقدس

ولله در شاعرنا وهو يتحفنا بصور شعرية رغم كثرتها إلا أنها جاءت متناسقة إلى حد التماهي مع ما عزم على طرحه في قصيدته ومن تلك الصور البديعة الخلابة الأخاذة:

 

 

بشرى من الغيب ألقت في فم الغار

وأفضت إلى الدنيا بأسرار

بشرى النبوة طافت كالشذى 

وأعلنت في الربى ميلاد أنوار

وشقت الصمت

والأنسام تحملها

تحت السكينة

 

وهدهدت “مكة” الوسنى أناملها

وهزت الفجر

 إيذاناً بإسفار

* * *

فأقبل الفجر 

كأن فيض السنا في كل رابيةٍ

موجٌ

وفي كل سفحٍ جدولٌ جاري

تدافع الفجر 

يزف إلى

تاريخها فجر أجيالٍ وأدهار

واستقبل الفتح طفلاً في تبسمه

آيات بشرى وإيماءات إنذار

 متزراً بالحق

 متشحاً بالنور والنار

في كفه شعلةٌ تهدي 

وفي فمه

بشرى

وفي عينه إصرار أقدار

وفي ملامحه وعدٌ 

وفي دمه

بطولة تتحدى كل جبار

* * *

وفاض بالنور 

واللص يخشى سطوع الكوكب الساري

والوعي كالنور يخزي الظالمين كما

يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار

نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت

كتائب الجور تنضي كل بتار

 

كأنها خلفه نارٌ مجنحةٌ

تعدو وقدامه أفواج إعصار

 

فضج بالحق والدنيا بما رحبت

تهوي عليه بأشداقٍ وأظفار

 

وسار والدرب أحقادٌ مسلحةٌ

كأن في كل شبرٍ ضيغماً ضاري

 

وهب في دربه المرسوم مندفعاً

كالدهر يقذف أخطاراً بأخطار

* * *

فأدبر الظلم يلقى ها هنا أجلاً

وها هنا يتلقى كف… حفار

 

والظلم مهما احتمت بالبطش عصبته

فلم تطق وقفةً في وجه تيار

 

رأى اليتيم أبو الأيتام غايته

قصوى فشق إليها كل مضمار

 

وامتدت الملة السمحا يرف على

جبينها تاج إعظامٍ وإكبار

* * *

فأنزل الجور قبراً وابتنى زمناً

عدلاً… تدبره أفكار أحرار

* * *

يا قاتل الظلم 

تئن ما بين سفاحٍ وسمسار

يشدها قيد سجانِ

 وينهشها

سوطٌ…

ويحدو خطاها صوت خمار

فكيف لانت لجلاد الحمى “عدنٌ”

أشباه ناسٍ وخيرات البلاد لهم

– يا للرجال – وشعبٌ جائع عاري

أشباه ناسٍ دنانير البلاد لهم

ووزنهم لا يساوي ربع دينار

ترى شخوصهم رسميةً وترى

أطماعهم في الحمى أطماع تجار

* * *

ومجدهم رجس أخشابٍ وأحجار

لا تخبر الشعب عنهم إن أعينه

ترى فظائعهم من خلف أستار

 

الآكلون جراح الشعب

 تخبرنا

ثيابهم أنهم آلات أشرار

 

ثيابهم رشوةٌ تنبي مظاهرها

بأنها دمع أكباد وأبصار

 

يشرون بالذل ألقاباً تسترهم

لكنهم يسترون العار بالعار

 

تحسهم في يد المستعمرين كما

تحس مسبحةً في كف سحار

* * *

ضج السكون وهبت غضبة الثار!

فإن إقباله إنذار إدبار

* * *

منافق يتزيا زي أخيار

وأضيع الناس شعبٌ بات يحرسه

لص تستره أثواب أحبار

في ثغره لغة الحاني بأمته

وفي يديه لها سكين جزار!

 

حقد الشعوب براكينٌ مسممةٌ

وقودها كل خوان وغدار

 

من كل محتقر للشعب صورته

رسم الخيانات أو تمثال أقذار

 

وجثةٌ شوش التعطير جيفتها

كأنها ميتةٌ في ثوب عطار

* * *

بين الجنوب والعابثين به

يومٌ يحن إليه يوم “ذي قار”

يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت

ذكراه كالفجر في أحضان أنهار

وهل حملت

رسالة الحق إلا روح مختار؟

أعلى المبادئ ما صاغت لحاملها

من الهدى والضحايا نصب تذكار

مبادئ الذئب في إقدامه الضاري؟!

يبدون للشعب أحباباً وبينهم

والشعب ما بين طبع الهر والفار

ما لي أغنيك يا “طه” وفي نغمي

دمعٌ

وفي خاطري أحقاد ثوار؟

تململت كبرياء الجرح 

فانتفزت

حقدي على الجور من أغوار أغواري

يا “أحمد النور” عفواً إن ثأرت 

ففي

صدري جحيمٌ تشظت بين أشعاري

“طه” إذا ثار إنشادي 

 قذفوا

جيش الطغاة بجيشٍ منك جرار

كأنهن قلاعٌ خلف أسوار

 تطير بنا

إلى روابي العلا أرواح أنصار

“طه” إليك صلاة الشعر ترفعها

روحي

وتعزفها أوتار قيثار

 

القصيدة كما هو معروف ومعلوم لشاعر اليمن الكبير

عبد الله البردوني 

عبدالفتاح علي شمّار